كيف تتجاوز مرحلة الاشمئزاز الأخلاقي عن طريق اللطف

اللطف

يعرّف الاشمئزاز الأخلاقي بأنه عبارة عن مشاعر افتراضية  قد تظهر في أي بلد منقسم سياسياً مما يؤدي لآثار اجتماعية وعاطفية تؤثر على المجتمع ككل.

يمكن اعتباره بمثابة شعور يشعر به الناس تجاه سلوك سيء مجتمعياً، مثل الإساءة إلى الضعفاء والقسوة وغير ذلك. 

يعتبر الاشمئزاز الأخلاقي سلوكاً غير مجدياً في العلاقات، فعندما نشعر بعدم الرغبة بشخص ما.

فإننا نرغب بأن نبعد عنا هذا الشخص بسلوكه وأفكاره العدائية، كما أننا لم نعد ننظر للإنسان المريض بهكذا أعراض على أنه إنسان.

وبالتالي لا يستحق هذا الشخص منا أن نسمعه أو نفهمه.

إننا نعيش في منعطف تاريخي، حيث تزداد الحالات غير الإنسانية في المجتمع.

بالإضافة إلى الانقسامات الأيديولوجية والخلافات القبلية لأن هناك من تعتقد بأنه أفضل من الأشخاص الآخرين، فماذا نفعل بهذا الشأن؟

علينا أن نتصالح فعلاً مع هذا الشعور، قد نشعر بالاشمئزاز من شخص يختلف معنا في الرأي والقيم.

يجب أن نفكر بشكل جدّي في التوقف عن ملاحقة تلك الأفكار المسمومة التي تبعدنا عن تقبل الرأي الآخر؟

كما يجب علينا كمجتمع أن نتصدى للمعتقدات التي تحض على العنف.

حين تشعر بهذه المشاعر، تأكد من أنه لا داعي للاشمئزاز من الآراء التي نختلف معها لأنه ليس الحل المناسب.

المشكلة هي التفكير بحد ذاته، فالبعض يتشبث برأيه ويرى بأن هناك معركة ويجب أن ينتصر بها.

تقترح الدكتورة تريسي دينيس تيواري أسلوباً بسيطاً للتعامل في مثل هذه المواقف، ويمكن تسمية هذا الأسلوب باللطف.

اقرأ أيضاً: متى نحتاج إلى الإسعافات النفسية الأولية وما مبادئ عملها

ما هو تعريف اللطف

ليس صدفة أن تكون كلمة “اللطف” مشتقة من الكلمة الإنجليزية القديمة “cynde”، والتي تعني الطبيعة والأُمة.

ونرى في معنى الكلمة أن البشر لطالما اعتقدوا أنه من الضروري حسب طبيعة البشر أن يكونوا جزءاً من مجموعة متماسكة.

وغالباً ما يتم تعريف اللطف على أنه معاملة الآخرين بطرق ودية تراعي احتياجات الآخرين ورغباتهم.

ويقوم الشخص بذلك دون توقع مكافأة أو فائدة بالمقابل.

ويمكن القول بأن المعاملة اللطيفة ليست مجرد أخلاق حميدة!

يمكن للمرء أن يقول مؤدية مثل “من فضلك” أو “شكراً لك” وهذا ليس صعباً، لكن اللطف يعني أكثر من مجرد التأدب والجمل اللطيفة فقط!

اللطف محفوف بالمخاطر

لماذا يكون اللطف أحياناً محفوف بالمخاطر؟ لأنه يتعلق بالمجموعة التي تنتمي إليها. 

اعتدنا على نركز كل اهتمامنا وسلوكنا اللطيف على “المجتمع الذي ننتمي إليه”. 

أن تكون لطيفاً بشكلٍ عام، يعني أن تقلل الاختلافات بينك وبين المجتمع الذي تختلف عنه بالآراء والقيم.

كما يجب الخروج من منطقة الراحة التي نعيشها لتقبل رأي الآخرين والمجتمعات ككل.

إننا نرى بأن اللطف محفوف بالمخاطر لأن الخروج من دائرة الراحة الخاصة بنا هي عبارة عن تحدي لتقبل المجتمعات الأخرى.

البشر اجتماعيون بطبيعتهم ويستفيدون من الأمان والموارد والدعم الذي يوفره المجتمع.

لم تكن الذئاب هي الوحيدة التي نجت وكبرت عبر آلاف السنين، كان هناك قبائل هم أيضاً. 

في الوقت نفسه، نعلم بأن القبائل هي مجموعات متقلبة، وأنه يجب عليها أحياناً أن تقوم بالمخاطرة ليس فقط لحماية القبيلة ولكن أيضاً لنموها وإثرائها من خلال دخول أشخاص جدد قد يبدأون كأجانب.

في مقالة بحثية حديثة نُشرت في مجلة Developmental Cognitive Neuroscience، اقترح المؤلفون مجالاً جديداً من البحث حول السلوك الاجتماعي الإيجابي في مرحلة المراهقة يُدعى المخاطرة الاجتماعية الإيجابية. 

بناءً على البحث الأخير فإن الدوائر العصبية التي تكمن عادةً في السلوكيات المحفوفة بالمخاطر تساهم أيضاً في السلوكيات الاجتماعية الإيجابية، زيادة المخاطرة والدوافع الاجتماعية المتزايدة . 

لكن نادراً ما سأل أحدهم: “هل يخاطر المراهقون لإفادة الآخرين؟”

يقدم المؤلفون هذا المثال، “تخيل أنك مراهق في المدرسة وتشاهد متنمراً يحرج شخصاً آخر.

هل تتدخل وتدافع عن الضحية؟ أم أنك تتكلم فقط ولا تفعل شيئاً لأنك قلق من العواقب؟ ماذا سيفكر أصدقاؤك إذا قمت بالتدخل أو لم تتدخل؟ ماذا لو بدأ المتنمر في استهدافك؟ 

في هذا المثال، ستكون الاستجابة الاجتماعية الإيجابية للمخاطرة هي الوقوف في وجه المتنمر ومساعدة الضحية.

هذا محفوف بالمخاطر لأن هناك احتمال أن يقوم المتنمر بإعادة توجيه هجماته الجسدية واللفظية عليهم”.

يؤكد هذا الكلام المثير للاهتمام أنه في كثير من الحالات يسير اللطف والسلوك الاجتماعي الإيجابي جنباً إلى جنب مع المخاطر، والمهمة الرئيسية للدماغ البشري هي كيفية إيجاد التوازن بين الاثنين.

كيفية التخلص من الاشمئزاز الأخلاقي من خلال التواصل اللاعنفي

بغض النظر عن المكان الذي نعيش ونعمل فيه، فإننا بالطبع سنلتقي بأشخاص لا نتفق معهم، مما يجعلنا غير مرتاحين أو ربما غاضبين بسبب آرائهم.

فهل هناك طريقة يمكن لكل منا من خلالها أن يقرر التواصل والتعرف على هؤلاء الأشخاص بشكل أفضل مع الامتناع عن الحكم والنقد الفوري، حتى ولو لفترة قصيرة من الزمن؟

من الأساليب المستخدمة على نطاق واسع لحل هذه المشكلة هي التواصل غير العنيف (NVC). 

إن التواصل غير العنيف يقسم عملية التواصل إلى أربع مكونات رئيسية: الملاحظات والمشاعر والحاجات والطلبات. 

قد يكون الكثير منا على دراية بواحد أو أكثر من هذه المبادئ، ولكن التواصل غير العنيف يجمعهم جميعاً بطريقة قد تكون فعالة تحديداً لتقليل سوء الفهم وتعزيز التواصل.

من الصعب حقاً أن تشعر بالاشمئزاز من شخص ما عندما تفهم وجهة نظره على مستويات متعددة.

في دراسة حول التواصل غير العنيف بين العاملين في مجال الصحة، لم يؤد التدريب على التواصل غير العنيف إلى تحسين التواصل فحسب، بل قلل من الشعور بالضيق العاطفي وإدراك الضغوط الاجتماعية في العمل.

دعنا نطبق التواصل غير العنيف على موقف يكون فيه صديقان في خلاف خطير. في خضم المحادثة، قال أحد الأصدقاء

“هل أنت مجنون؟ كيف تعتقد ذلك؟! أنت لا تستمع حتى إلى ما أحاول إخبارك به! ”

رداً على ذلك، يمكن للصديق الآخر الرد باستخدام المكونات الأربعة للتواصل غير العنيف:

الملاحظات. الملاحظة هي تعبير واضح عما يحدث في موقف معين دون لوم أو انتقاد. عندما نريد قول ملاحظة، نسعى جاهدين لنكون موضوعيين ونستهدف إجراءً أو سلوكاً ملموساً يؤثر علينا. على سبيل المثال، “عندما قلت هذه الكلمات لي …”

المشاعر.  مثل الحزن والسعادة والغضب والخوف وتتعلق أيضاً بالملاحظة. وهنا نتجنب الكلمات غير المحسوسة التي تعبر عن المشاعر الفعلية التي نمر بها. 

نستمر في المثال أعلاه حيث نستخدم المشاعر الفعلية، “عندما قلت هذه الكلمات لي، شعرت بأنني وحيد…” ولا نقول “أنت تخليت عني…” لأن التواصل غير العنيف ليس بهذه الطريقة.

إنها كلمة تحمل معها الكثير من الأحكام لأنها تصف مجموعة من المشاعر المعقدة والتوقعات والتجارب الشخصية.

غالباً ما يمنعنا هذا النوع من الكلمات من تحديد الشعور الحقيقي الذي نشعر به.

لذلك، وفقاً للتواصل غير العنيف قد نقول بدلاً من ذلك، “عندما قلت هذه الكلمات لي، شعرت بالحزن …”

الاحتياجات. هي الرغبات والقيم التي تؤدي إلى خلق المشاعر. كل ما نقوم به، نقوم به لتلبية احتياجاتنا. لذلك، من خلال ذكر احتياجاتنا، فإننا في الواقع نبني أرضية مشتركة مع الشخص الآخر.

في مثالنا، قد نقول، “عندما قلت هذه الكلمات لي، شعرت بالحزن لأنني أقدّر صداقتنا بشدة.”

الطلبات. المرحلة الأخيرة من التواصل غير العنيف هي طلب أو بيان واضح لما هو مطلوب من الجانب الآخر في هذه اللحظة (ليس في المستقبل).

لإنهاء مثالنا، “عندما قلت هذه الكلمات لي، شعرت بالحزن لأنني أقدر صداقتنا بشدة. هل يمكننا بدء النقاش من جديد؟ “

في هذا المثال، نرى بأن التواصل غير العنيف لديه القدرة على تخفيف الغضب والاشمئزاز لأنه يسمح للأصدقاء بالتفكير مرة أخرى بسبب الكلام اللطيف، حيث يتذكر الصديق علاقتكم، مما يعطي فرصة أخرى للنقاش بطريقة هادئة وبعيدة عن الغضب.

إن أسلوب التواصل غير العنيف قوي وفعال لأنه لا يوضح فقط ما نشعر به وما نحتاجه، بل ينتج عنه أيضاً الاستماع للآخرين دون إصدار أحكام لحظية ويحاول فهم الموقف.

الجدير بالذكر، أن التواصل غير العنيف يقدم نتائج أفضل عندما يكون كلا الطرفين على اطلاع على ماهيته وكيفية استخدامه.

ماذا يحدث عندما لا يكون “الطرف الآخر” منفتحاً على هذا الأسلوب من الكلام؟ 

في مقال ملهم في صحيفة  New York Times بقلم David Brooks بعنوان ” كيف تخوض حديثاً مع متعصب؟”

يناقش دايفيد فكرة إذا كان يجب إجراء “محادثة مع متعصب …” أو هل يجب عليك “… عدم الاهتمام بهم!، أو مواجهتهم بقوة”. 

بعد التفكير بالموضوع توصل إلى أن التعاطف والكياسة بالتعامل هما الخياران الوحيدان اللذان يمكن تطبيقهما”.

هذه الطريقة ليست سهلة، والعديد من الأشخاص الذين لديهم وجهات نظر مختلفة للغاية عن وجهات نظرنا لن يغيروا رأيهم أبداً أو لن يستمعوا إلى ما نحاول قوله.

قد يرفضوننا ويطلقون نيران غضبهم علينا. قد نكون مترددين في تحمل تلك المخاطر الاجتماعية.

لكن الكياسة واللطف والتعاطف قد تعكس الأسلوب الوحيد الذي يمنحنا فرصة للمواجهة.

المصدر
هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *