التأمل وفوائده على الصحة النفسية

التأمل

أخذت رياضة التأمل Meditation في الآونة الأخيرة بالانتشار والشيوع في مختلف أنحاء العالم، كوسيلة لتخفيف ضغوط الحياة وتحسين الحالة المزاجية والنفسية والعاطفية. 

ولأن التأمل جذر لفروع وممارسات تأمليّة عديدة، يختلف الروتين التأملي للأشخاص بحسب احتياجاتهم وظروفهم الحياتيّة.

يلجأ الأشخاص إلى تأمل اليقظة الذّهنية (فرع من فروع التأمل) لتعلّم العيش في الوقت الحاضر  لحظة بلحظة، والابتعاد عن الانغماس في ذكريات الماضي ومخاوف المستقبل.

وذلك عبر التركيز على التنفس ومراقبة الأفكار والمشاعر المتدفقة بعين خارجية دون إطلاق الأحكام.

وصفت دكتورة الأمراض الداخلية المتقاعدة من هارفارد، سوزان ويستبروك، هذا النوع من التأمل بأنه تمرين لعضلة الحضور العميق والانتباه الآني.       

ولكن، ومن وجهة نظر علميّة، هل هناك إثباتات تدعم صحة هذه الادّعاءات؟

في الواقع، أثبتت العديد من الدراسات والأبحاث قدرة التأمل، وبالأخص تأمل اليقظة الذهنيّة،  على تحسين نوعية النوم، وتخفيف تأثير  أعراض بعض الاضطرابات النفسيّة، كالاكتئاب والقلق.

إلى جانب ذلك، تلعب ممارسة التأمل دورًا في زيادة قدرة الأفراد على التغلب والتأقلم مع الضغوط النفسيَة المترافقة مع الآلام المزمنة، كما أنها تساهم في تحسين بعض الوظائف السلوكيَة والإدراكيَة.

اقرأ أيضاً: فوائد اليوغا لـ اضطراب القلق العام وأثرها مقابل العلاج السلوكي المعرفي

تأثيره على اضطرابات النوم

تشير إحصائات يوم النوم العالمي إلى أنّ 45% من البشر حول العالم يعانون من قلّة النوم.

ممّا يجعله مشكلة عالمية تترتّب عليه مضاعفات خطيرة، تبدأ بالتعب والإرهاق وضعف المناعة، وتنتهي بالموت.

وقد أجرى باحثون في جامعة كاليفورنيا دراسة سريريّة للتأكد من دور التأمل واليقظة الذهنية في تحسين جودة النوم.

شملت الدراسة 42 شخص تتراوح أعمارهم بين 66 الى 70 سنة، تمت مراقبتهم خلال سنة 2012.

 قُسّمت المجموعة الى مجموعتين، الأولى مارست تأمل اليقظة الذهنية في تلك السنة، واكتفت المجموعة الثانية بتغيير بعض العادات قبل النوم.

بيّنت نتيجة الدراسة التي نشرت في مجلة  JAMA Internal Medicine 2015 التحسّن الملحوظ على أفراد المجموعة الأولى مقارنة بالمجموعة الثانية. 

وبالرغم من الحاجة لتدعيم هذه الدراسات بأبحاث متوسعة أكثر عن تأثير التأمل وعلاقته بالحدّ من مشاكل النوم  على المدى البعيد.

إلا أنّها كبداية تُعتبر واعدة ومبشّرة لمن يعاني من اضطرابات ومشاكل في النوم.

تأثيره على مرضى القلق والاكتئاب

ليس غريبًا أن يزداد الحديث عن تأمل اليقظة الذهنية في أوساط المعالجين والأطباء المختصيّن بعلاج اضطرابات القلق والاكتئاب.

 فلقد أثبتت العديد من الأبحاث والدراسات السريريّة والإحصائية الدور الإيجابي الذي يلعبه تأمل اليقظة الذهنية عند من يعانون من تلك الاضطرابات.

استندت ورقة بحثية نُشرت في  American Journal of psychiatry على نتائج دراسة سريريّة مفادها قدرة التأمل على تخفيف مستويات اضطرابات القلق والاكتئاب، كنوبات الهلع،  ورهاب الخلاء (agoraphobia). 

واقترح الباحثون القائمون على هذه الدراسة ودراسات إحصائية أخرى، تضمين برامج تأمل اليقظة الذهنية ضمن الخطّة العلاجية المقترحة.

ذلك نظرًا لفعّالية التأمل وتفوقه على العديد من الجلسات العلاجيّة، إضافة إلى أمانه وخلوّه من الآثار الجانبية الغير مرغوبة.

ممّا يجعله علاجًا تسهُل ممارسته والالتزام به.

تأثيره على من يعانون من الآلام مزمنة

لا تقتصر معاناة مرضى أي نوع من أنواع الآلام الجسدية المزمنة على الألم بحد ذاته.

بل تمتد لتؤثر سلبًا على الحالة النفسية والصحة الذهنيّة لهؤلاء المرضى، وهنا يبرز الدور الإيجابي الذي يلعبه تأمل اليقظة الذهنية.

فحسب نتائج ورقة بحثيّة  نُشرت في 2017، لا يُخفّف التأمل الألم الجسدي وإنما تحسّن ممارسته جودة حياة المريض وتخفض من نسب الاكتئاب والتوتر المرافق للحالات المرضيّة المزمنة هذه.

تأثيره على الدماغ وصحته

أظهرت نتائج الدراسات الأخيرة التي أجرتها عالمة الأعصاب في هارفارد ساره لازار، بعد الخضوع لبرامج التأمل الذهني لثمانية أسابيع، عدد من التغييرات في أجزاء معينة من الدماغ.

شملت هذه التغييرات، تبدّلات في كثافة المادّة الرماديّة في الحُصين وأجزاء أخرى من الدماغ، والتي بدورها تؤثر  إيجابيًّا على عدد من الوظائف الإدراكيّة، كالتعلم والذاكرة والتّحكم بالمشاعر والمحاكاة المنطقية للأمور.

إضافة إلى ذلك، لاحظت ساره وفريقها البحثي بأن للتأمل دور في إنقاص كثافة اللوزة الدماغية (amygdala).

هي المنطقة التي تلعب دورًا في الاستجابات السلوكية المرتبطة بالتوتر  والخوف والقلق، الأمر الذي قد يفسّر انخفاض مستويات التوتر والضغط النفسي بعد ممارسة التأمل. 

كما وقد امتدت هذه التغييرات الإيجابية إلى مناطق من جذع الدماغ والتي من المفترض أن تكون المسؤولة عن التحكم في المزاج وتقلباته. 

لذلك، وعلى الرغم من الإطار الروحاني والديني الذي أحاط بممارسة التأمل لسنوات، ساهمت الدراسات العلمية مؤخرًا في إعطاء رياضة التأمل أبعاد أخرى.

ف إلى جانب حالة الصفاء الذهني، وتوجيه التركيز على الوقت الحاضر وتحفيز الوعي الداخلي، تساعد تأملات اليقظة الذهنية في التخفيف من اضطرابات النوم والقلق والاكتئاب، وتخفيض مستويات التوتر وتحسين جودة حياة مرضى الآلام المزمنة.

بالإضافة إلى تأثيره الإيجابي على صحة الدماغ وعلى بعض الوظائف الادراكية والسلوكية.

المصادر

هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *