قبل أن تتعرف إلى اضطراب التكديس القهري هل أجّلت يومًا قرار التخلص من أكوام المجلات والجرائد القديمة والتي تراكمت على مكتبك دون أي فائدة تُرجى؟
أو من الممكن أن تكون قد لاحظت عادة احتفاظ أحد أقاربك بأشياء وخردوات لا معنى لها، واحتلالها أماكن واسعة من المنزل، رغم احتجاج من حوله ومطالبتهم الدائمة بالتخلص منها.
تقبع تحت أكوام هذه الفوضى، احتمالية الإصابة بـ اضطراب التكديس القهري أو التخزين القهري أو الاكتناز القهري Hoarding disorder.
والذي يعرّف على أنّه اضطراب نفسي يميل المصاب فيه إلى الإفراط في جمع الأشياء بغض النّظر عن قيمتها ومدى الحاجة لها، وتخزينها بطريقة عشوائية، ممّا يخلق فوضى عارمة، تُعيق حياته وحياة من حوله في المساحة الفارغة المتبقيّة في المنزل أو في العمل.
يُصاب بهذا الاضطراب اثنان من كل مئة شخص في العالم.
وتشير الأبحاث إلى أنّه أكثر شيوعًا بين الذكور من الإناث، حيث تبدأ أولى أعراضه بالظهور في سن المراهقة، لكنّها تكون أكثر وضوحًا وحدّة عند الأكبر سنًّا.
فعندما تطلب في المرّة القادمة من قريبك التخلص من حاجيّاته المكدّسة والتي زادت عن الحد المقبول، يجب عليك في البداية أن تميّز اضطراب التكديس القهري، وتدرك الصعوبة التي يواجهها في اتخاذ هكذا قرار.
ماهي علامات وأعراض الإصابة باضطراب التكديس القهري؟
- المبالغة في جمع وتكديس الأشياء والتي من الممكن أن تكون بلا أية قيمة،
(كالورق والعلب البلاستيكية والفواتير القديمة والرسائل الإلكترونية غير المهمة).
- وقد يسرف البعض في تربية عدد كبير من الحيوانات الأليفة دون توفير الظروف والإمكانات الملائمة لها.
- عدم القدرة على تنظيم هذه الأشياء أو ترتيبها.
- تتملّك المصاب حاجة ملحّة للاحتفاظ بكل هذه الأغراض، وينتابه شعور بالضيق والتوتر عند التفكير أو محاولة التخلص منها.
- ازدحام المنزل بفوضى الأشياء، للحد الذي يصبح فيه غير قابل للسكن.
- يميل المصاب لأن يكون مترددًا في اتخاذ قراراته، مماطلًا، ويعاني من الوحدة والانعزال.
ولكن، ما السبب الذي يدفع المصاب باضطراب التكديس القهري إلى جمع الأشياء والاحتفاظ بها؟
يعمد الكثيرون لتخزين أشياء مرتبطة لديهم بذكريات محبّبة يصعب عليهم التخلص منها.
وقد يفسّر البعض احتفاظه بكومة الأغراض المهملة، باحتمالية الحاجة لها لاحقًا، أو يتحجج بندرتها وقيمتها التي لا تعوّض.
فتتراكم الفوضى من حوله وتخرج بطبيعة الحال عن السيطرة.
إلاّ أنّه من غير المعروف حتى الآن، السّبب الدقيق وراء الإصابة باضطراب التكدس القهري.
فمن الممكن أن يكون عرضًا لأمراض واضطرابات أخرى، كالاكتئاب والفصام والوسواس القهري والخرف.
أو قد يكون اضطرابًا قائمًا بحد ذاته، تتداخل في تحفيزه العديد من العوامل، منها
- الوحدة والعزلة الاجتماعية، والشخصية المترددة والقلقة.
- أن يكون المصاب قد عانى من الحرمان في طفولته سواءًا على الصعيد المادي أو العاطفي.
- أو قد مرّ بأحداث صادمة، كفقدان عزيز أو طلاق الوالدين، أو ضياع ممتلكاته في الحرائق مثلًا أو عمليات التهجير والطرد من المنزل.
- تاريخ مرضي لاضطراب التكديس القهري في الأسرة.
- بالإضافة إلى دور البيئة الفوضوية التي لا تقدّر ولا تعلّم أبناءها التنظيم والترتيب،
هل يصنّف إذًا هواة جمع الطّوابع البريدية أو المقتنيات الثمينة، كمصابين باضطراب التكديس القهري؟
في الواقع، هنالك فرق واضح وملحوظ بين من يهوى جمع العملات النقدية والتماثيل مثلًا، وبين من يُشخّص باضطراب التكديس القهري.
فالأول يبحث عن نوع محدّد من الأشياء، يرتبها وينظمها ضمن تنسيقات محددة يسهل الوصول إليها لاحقًا في حال أراد ذلك.
أما الثاني، فقد يجمع أشياء محددة أو مختلفة دون أي هدف واضح وقد تكون في أغلب الأحيان بلا قيمة فعلية، فيكدسها ويكوّمها بطريقة عشوائية تُعرضها للتّلف، وتخلق الفوضى وتأخذ مساحات شاسعة من المنزل، وتسجن قاطنيه في مجال ضيق يعيق حركتهم.
لذلك ينطوي هذا الاضطراب على العديد من العواقب أهمها.
- عواقب صحيّة بسبب صعوبة تنظيف المكان، ممّا يؤدي إلى انتشار الغبار والجراثيم والحشرات المؤذية.
- تكون هذه العواقب أخطر على من يقوم بتربية الكثير من الحيوانات الأليفة في مساحات صغيرة غير ملائمة لها، فتتعرض وتُعرّض من يربيها لاحتمالية الإصابة بالعديد من الأمراض.
- كما أنّ تراكم هذه الأشياء بطريقة فوضوية، يزيد خطر التعثّر بها وبالتالي حدوث الإصابات والكسور.
- تحوّل هذه الفوضى المنزل إلى مكان غير قابل للسكن، والتحرك بحرية، فقد تشغل الأغراض محلًا واسعًا من المطبخ أو الحمام أو غرفة المعيشة.
- ممّا يجعل استقبال الضيوف والأصدقاء صعبًا، وقد تتفاقم المشكلة لتفكك روابط الأسرة الواحدة، فينعزل المصاب وسط فوضاه ويتقوقع في عالمه الخاص.
- يشكل تكدّس الأغراض في أرجاء المسكن خطرًا في حال نشوب الحرائق وذلك لصعوبة الهرب والنجاة.
اقرأ أيضاً: ما هو عسر المزاج : الاضطراب الاكتئابي المستمر
علاج اضطراب التكديس القهري
يرتكز علاج اضطراب التكديس القهري على العلاج السلوكي المعرفي (cognitive behavioral therapy).
يعتمد هذا النوع من المعالجة النفسية على الحوار القائم بين المعالج المختص والمصاب.
حيث يحاول المعالج من خلال هذه الجلسات، تدريب المصاب على مقاومة رغبته الملحّة في جمع الأشياء وتخزينها.
وتعليمه طرق التنظيم والترتيب، بالإضافة إلى مساعدته للتخلص من أغراضه المكدّسة تدريجيًا.
والتعامل مع مشاعر الإحباط والتوتر والقلق المرافقة لهذه المرحلة.
كما يسعى المعالج إلى تطوير مهارات المصاب في صنع القرار، وأساليب التأقلم مع الأحداث والظروف من حوله، وتحسين قدرته على التفاعل مع الآخرين بهدف التّقليل من عزلته.
وقد يلجأ الطبيب في بعض الأحيان إلى وصف أنواع معينة من الأدوية.
أهم هذه الأدوية، مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين (SSRIs)، والتي تُستخدم عادًة في معالجة اضطرابات أخرى كالقلق والاكتئاب،
إلّا أنّ المرحلة الأصعب والأهم في العلاج، هي مواجهة المريض لنفسه وإدراكه حجم المشكلة.
الأمر الذي قد يختصر عليه وعلى الأطباء أشواطً كبيرة.
حيث يقاسي الكثير، من أعراض الاضطراب من دون الإعتراف حتى لنفسهم بوجود خطب ما يعرقل حياتهم،
وهنا تبرز أهمية تواجد بيئة محيطة واعية ومدركة بوجود مثل هذا الاضطراب ، تمسك بيده بصبر خطوة بخطوة محاولة إخراجه من الجانب المظلم المعزول والمُثقل بمشاعر الذّنب والحرج، إلى الجانب الآمن والمحاط بالأهل والأصدقاء.
لذلك عندما تصادف مرةً أخرى أحدًا غارقًا في فوضاه، ومتعلقًا بأشياء لا قيمة لها، بدلًا من إطلاق الأحكام على سلوكه،
تولّى مهمة توعيته وتثقيف من حوله باضطراب التكديس القهري.