لا يقتصر تأثير غيمة الاكتئاب على المشاعر والمهام اليومية، بل يمتد ليسبب ضعف الذاكرة ويُشوّشها.
ففي حال أخبرك طبيبك أنك مصاب بالاكتئاب، وكنت تجد في نفس الوقت، صعوبة في استحضار الأوقات السعيدة التي عشتها، وتذكّر التفاصيل اليومية.
من المرجح أن يكون الجّاني في هذه الحالة هو الاكتئاب نفسه.
ربط الباحثون، في تقرير نُشر في 2018، الاكتئاب بالذاكرة قصيرة الأمد.
فقد ينسى المريض التفاصيل الصغيرة اليوميّة، أو حتّى تفصيلات المواقف التي عاشها في الماضي،
وتشغل الذكريات السيئة مكانًا واسعًا في ذهنه، وتتشوّش ذاكرته فيما يخّص اللّحظات السعيدة والأوقات الممتعة،
والعكس صحيح، فإن سيطرة تلك الذكريات الحزينة على بال المريض، تزيد حالته الاكتئابية سوءًا.
وإذا أُهمل علاج الاكتئاب، يتعرض المريض حسب British journal of psychiatry، لخطر الإصابة بالخرف لاحقًا.
كما بيّنت دراسة إحصائية أُجريت في 2014، تأثير الاكتئاب الواضح على الوظيفة الإدراكية للمريض،
والتي تتجلّى في قدرته على التركيز، والانتباه أثناء أدائه للمهام.
اقرأ أيضاً: ما هو عسر المزاج ؟ الاضطراب الاكتئابي المستمر
هل للتّغيرات الحاصلة في دماغ مرضى الاكتئاب، صلة بـ ضعف الذاكرة ؟
في الواقع، يظهر تأثير التوتر والأوقات العصيبة، جليًّا على منطقة الحصين في الدماغ(hippcampus)، وهي المنطقة المسؤولة على عمليات التعلم والذاكرة.
فتبدو هذه المنطقة أصغر حجمًا، عند المصابين بالاكتئاب.
الأمر الذي قد يفسّر استحضار المريض بسهولة لذكرياته السيئة، وتلاشي ذكرياته الجميلة.
كما توضّح الصور الشعاعية المأخوة لأدمغة مرضى الاكتئاب، مقدار الجهد المضاعف المبذول عند القيام بالمهام اليومية المتضمنة العديد من الخطوات والتفاصيل، مقارنة بالجهد الذي تبذله أدمغة الأشخاص السليمين.
بالإضافة إلى ذلك، فقد بيّنت الأبحاث العلاقة الوثيقة بين الاكتئاب وشيخوخة الدماغ.
حيث أشارت ورقة بحثيّة منشورة في 2013، إلى تناقص حجم المادة الرمادية(المسؤولة عن المشاعر والذاكرة العملية) في أدمغة المصابين بالاكتئاب.
والمثير للإهتمام أنّ هذه الاختلافات الهيكليّة في أدمغة المصابين بالاكتئاب، تكون مشابه للاختلافات الحاصلة على أدمغة المصابين بالخرف(dementia).
لهذا السبب، يتشارك الاكتئاب والخرف في بعض الأعراض وخصوصًا في الجزء المتعلق بفقدان وضعف الذاكرة.
الأمر الذي يزيد خطر إصابة كبار السن بالخرف، وذلك في حال تعرضهم لحالات اكتئابية.
ما هي المسببّات الأخرى لحالات ضعف الذاكرة ؟
من الممكن في الكثير من الأحيان علاج ضعف الذاكرة، أو الحد من تراجعها.
يؤكد الأطباء نتيجة اختلاف الأسباب التي تؤدي إلى ضعف وتشويش الذاكرة،على أهمية التشخيص الملائم لكل حالة، كونها الخطوة الأولى على طريق الحل.
لذلك من الضروري التّعرف على الأسباب الأخرى المؤدية لضعف الذاكرة المؤقت، ونذكر منها
- قد تشوش بعض الأدوية الذاكرة، وتسبب الارتباك والنسيان.
- القلق.
- الإفراط في تناول الكحوليات.
- نقص فيتامين B12.
- نقص نشاط الدّرق.
- الأمراض التي تصيب الدماغ، كالسرطانات والإنتانات.
- العلاج بالصدمة الكهربائية(ECT)، والذي يستخدم لمعالجة الحالات المعنّدة من الاكتئاب والهوس والخرف.
- الرضوض وأذيّات الدماغ.
هل يمكن السيطرة على ضعف الذاكرة المسبّب بالاكتئاب، والحد من تطوّره؟
في الحقيقة، إنّ للبداية بعلاج الاكتئاب وتحسين الحالة المزاجيّة للمريض، ومحاولة السيطرة على مشاعره،
سواءًا عن طريق الاستشارات النفسيّة، أو بمضادات الاكتئاب أو بطرق أخرى كالعلاج بالصدمة الكهربائية أو بالتحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة(rTMS)، إلخ..
الدّور الأهم في تحسين الذاكرة ووقف تراجعها.
إلى جانب ذلك، فمن الممكن أن تساعد التغييرات في نمط الحياة ككتابة المذكرات، والعمل في بيئة هادئة، وعدم القيام بعدة مهام في نفس الوقت، الشخص المصاب على تصفية ذهنه وزيادة تركيزه،
وبالتالي التخفيف من نسيانه للأشياء والأحداث، وتقوية ذاكرته.
تزيد مشاكل الذاكرة من هواجس المرضى وتدفعهم للانعزال، ممّا يفاقم المشكلة ويعرقل الحياة اليومية.
لذلك من المهم أن يحظى المريض بمساندة من حوله من عائلة أو أصدقاء، وذلك لحثّ على طلب المساعدة والبدء بالعلاج.